بسم الله الرحمن الرحيم ،
الحمد لله ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن الاضطراب الحاصل في تحديد حقيقة الشرك في العبادة ، أوقع الكثير من المنتسبين للعلم في شطحات كبيرة ، وجرّهم ذلك إلى الزلل في مسائل التكفير ، وهي من أعظم مسائل الدين وأشدها خطورة .
فصاروا يكفّرون كثيراً من المسلمين بمجرد البدعة التي ظنوها شركاً أكبر . ونحا آخرون منهم منحى متشدداً فقالوا بعدم الإعذار بالجهل في الشرك الأكبر الذي أخطأوا في تحديده ابتداء ، ثم بنوا على هذا الخطأ المنع من العذر فيه ، إذ أنه لا يُمكن لمن عبد غير الله - تعالى - أن يكون موحداً ، سواء أكان جاهلاً أم عالماً ، وهذا مما لا يستقيم له العقل .
وإذ أن هذا الكلام صحيح ولا غبار عليه ، إلا أن خطأهم في ضبط وتقسيم العبادة ، حاد بهم عن سواء السبيل ، فأدرجوا في مسمى الشرك الأكبر كثيراً من الأفعال والأقوال مما ليست فيه ، وأفضى بهم ذلك إلى تكفير كثير من المسلمين .
وحيث إن خلافنا مع إخواننا أهل العلم هو في مفهوم شرك العبادة ، مع اتفاقنا على مفهوم شرك الربوبية ، فإني سأخصص هذا البحث لتوضيح هذا المفهوم الذي أشكل على كثير من طوائف المسلمين .
وبعد حوارات طويلة مع حملة هذا المنهج ، وقراءة وبحث في هذه المسألة ، ارتأيت أن أكتب شيئاً لعله يكشف بعض الإشكالات التي اعترت الخائضين في هذه المسألة ، ويوضح بعض المبهمات التي أحدقت بها والتبست فيها على الناس .
والله العظيم أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأسأله أن ينفعني به والمسلمين .