على مدى عشر سنوات وفد إلى مركز النديم مئات من السودانيين ضحايا التعذيب، هم فقط بعض من أولئك الذين تمكنوا من الفرار من قبضة معذبيهم وسجانيهم، تاركين وراءهم آخرين، لا يعرف أحد عددهم حتى الآن، وربما لن يعرف أحد ذلك العدد أبدا. منهم من استشهد، ومنهم من لم يتمكن من الإفلات، ومنهم من مازال يقاوم. في البداية كانوا يأتون فرادى، ثم أصبحوا يأتون بالعشرات، وأخيرا بالمئات ولا يزالون يأتون. وعلى مدى تلك السنوات تواترت الشهادات والروايات، يحكونها. تتنوع وتختلف أحيانا، وتتكرر وتتطابق أحيانا أخرى، لكنها تتفق جميعها في بشاعتها وقسوتها. وأخذت أشكال التعذيب تتشكل أمامنا بتفاصيلها ودقائقها، ورغم عملنا لسنوات طويلة في هذا المجال، فقد كانت كثيرا ما تصدمنا وحشيتها، وقدرة القائمين على التعذيب على تنفيذها، وتكرار تنفيذها، وأحيانا الابتكار والتفنن في أدائها، وصولا إلى هدف التعذيب النهائي، وهو السحق التام للضحية. وتحقق أمامنا، بشكل مجسد، ما قرأناه في تقارير سابقة متعددة، عن قيام الحكومة السودانية بممارسة أبشع أشكال التعذيب في تاريخ السودان الحديث، وأن ممارسة التعذيب تم تعميمها على نطاق لم يسبق له مثيل، من حيث اتساعه، ومن حيث عشوائيته، وأنه يطال الجميع، سياسيين وغير سياسيين، معارضين وأفراد عاديين، وأنه يمارس ضد الأفراد، وضد جماعات بأكملها. وارتسمت أمامنا أيضا أنماط وأنواع من التعذيب يختص بها النظام السودانى، وجديرة بأن تنسب إليهم، وهى أنماط غير مسبوقة أو منقولة، ونسجل في هذا الكتاب بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر، كما يرويها ضحاياها، أو بالأحرى أبطالها، حيث انهم لم يسحقوا كما أراد لهم الجلاد. شهادات حية ليعرف الجميع ما يجرى من فظائع. ولنسجل أيضا للناجين منها معاناتهم المروعة وجهودهم الجديرة بالإعجاب، للمقاومة والتماسك من جديد، استطاع البعض عبور المحنة ولم شتات النفس والجسد، وتمسك بالحياة التي حاول الجلادون سحقها. استطاعوا الوقوف على أرجلهم ثانية لمتابعة الحياة. وسقط البعض تحت وطأة التجربة التي ليست كأى تجربة. لهؤلاء جميعا كرامة انتهكت، وحياة أهدرت، ومستقبل تحطم. لهؤلاء جميعا نتعهد على أن نعمل من أجل أن ينال الجلادون ما يستحقون، وأن يشهدوا محاسبتهم ومقاضاتهم وعقابهم. ليس تعويضا عما فعلوه بهم ، فهذا أمر لا يمكن تعويضه، وإنما انتصارا لإنسانيتهم ولإنسانية الإنسانية التي سوف تظل مهدرة، ما دام هؤلاء الجلادون أحرارا يعيثون في الأرض تعذيبا وإجراما